القصيدة العربية مرت بعدة مراحل تطور وكان هذا التطور يشمل بشكل أساسي البناء الشعري للقصيدة العربية..
وتطورت أيضاً مواضيعه وتراكيبه وقوالبه..
بدأ العرب شعرهم مع ما يسمى بالشعر التقليدي معروف الخواص المحدد بالبحور العروضية ومن رواد هذا الشعر (شعراء المعلقات، والمتنبي وكل الشعراء الذين نظموا شعرهم في العصر الجاهلي وصدر الإسلام حتى 1947م)
وفي عام 1947 ميلادي بدأ شعر التفعيلة على يد نازك الملائكة وهو الشعر الذي يوزن على تفعيلة واحدة..
ومن أشهر شعراءه نزار قباني ومحمود درويش..
وبعدها وبعد تعثر الولادة أنجب الشعر طفله الثالث وهو ما يعرف بقصيدة النثر ولا يزال الجدل لليوم موجودًا عن هذا النمط الشعري الجديد.
حيث لم تلقى قصيدة النثر رواجاً كافياً ولم تجد من يفندوا قوانينها وأيضا لم تجد شعراء يرفعوا من رايتها..
خاصة أنها تعتبر ثورة على القوانين الشعرية..
وكان الخلاف بداية حول تسمية هذا النمط الجديد المتمرد.
حيث وجه النقاد سبباً وجيهاً لرفضهم تسمية (قصيدة النثر).
حيث تعتبر كلٌ من القصيدة والنثر فنين أدبيين مختلفين في الخصائص والصفات..
ولا يجوز جمعهم في سبك فني واحد.
الآن
لننظر إلى الشعر في تطوراته الثلاث وأنواعه الجميلة ونرتبه وفقاً لطريقة النظم:
- الشعر العروضي التقليدي .
- الشعر الحديث التفعيلة.
- الشعر الحر.
والأنسب للشكل والصفات والخواص اطلاق تسمية الشعر الحر على ما يعرف بقصيدة النثر لأن هذه التسمية متوافقة بشكل أكبر مع صفاته وماهيته فهو التحرر من النظام الشعري القديم.
خصائص الشعر الحر:
- الحرية:
الحرية في الشعر الحر هي جوهر القصيدة وهي غاية في حد ذاتها حيث يتمرد الشاعر على النمط القديم فلا ينظم قصيدته على بحر عروضي ولا على تفعيلة ما.
فيكتب قصيدة حرة النظم والقالب بما يخدم جمال القصيدة.
- الموسيقى:
إن تحرر الشعر الحر من العروض والتفعيلة لا يعني أبداً تحرر الشاعر من الموسيقى الشعرية وذلك يعود أن هدف الشعر في أصله أن يكون موسيقياً..
فيكتب الشاعر بالموسيقى وكأنه يكتب ويلحن في ذات الوقت.
فالشاعر هو موسيقي اللغة..
فيستخدم قدراته البديعة ليصوغ موسيقى القصيدة..
فالقصيدة بلا موسيقى لا تقرأ..
- الرمزية :
الشعر الحر شعرٌ رمزي يلجأ للرمز كوسيلة للجمال وكطريقة شعرية مناسبة لهذا العالم الجديد والمتجدد وإن رمزية الشعر لا تعني عدم فهم الجمهور لها بل هي رمزية جميلة تسهم في كونها أسلوباً شعرياً يخدم القصيدة ويصل إلى الناس.
جمالية الشعر الحر:
- اللغة والتراكيب البديعة:
لغة القصيدة هنا لغة رقيقة شاعرية رمزية مركبة يستخدم فيها الشاعر قدراته الأدبية واللغوية والشعورية الوجدانية لتشكيل قصيدة مدهشة.
فإن ما يميز الشعر هو الدهشة التي يثيرها عند القارئ والمستمع.
- الفلسفة الشعرية:
يتيح هذا النمط الجديد من الشعر للشاعر عرض أفكاره وفلسفته وتساؤلاته ويشارك القارئ في رحلة فكرية عبر القصيدة..
فهو يتسأل عن ذاته وعن الكون وعن التناقضات والطبيعة والماهيات والمشاعر والعلاقات والإنسان والحرية والسياسة..
فالشعر الحر هو غوص بشكل أعمق في البعد الإنساني للقصيدة.
- ذاتية الشعر الحر:
الشعر الحر منطلق من حالة الشاعر الذاتية والفكرية والاجتماعية ومتحدثة بشكل أساسي عنه ومنه..
وهذا ما يجعل القصيدة تجربة شعورية وشاعرية ذاتية فريدة..
إن الشعر الحر هو تطور حتمي لشكل القصيدة وإن ما أَرْجَأَ هذا التطور هو عزوف الجمهور عن الشعر بشكل عام إلى الفنون الأخرى كالرواية والقصة ولكن الأمل أن يأتي دواما شعراء حقيقيون ينفخون غبار الوقت عن القصيدة ويكتبون..
وكما أن وجود الشعر الحر لا يعتبر رفضا للقصيدة العربية العروضية بل هو إيمانٌ بقيمة هذا التراث الفني المبهر وتعزيزاً لوجود القصيدة بين الناس وإلى الناس..
فوجود ثلاث أصناف من الشعر يفتح الأبواب لكثير من الجمال القادم من عالم القصيدة..
بقلم: ماهر دعبول