مدخل للفنان المسلم | ماهر دعبول

 




علم الجمال: هو العلم الذي يدرس شعورنا تجاه الأشياء، وتجاه هذا الشعور، وهو يعنى بتفسير اللذة الجمالية الناجمة عن قيامنا بتلقي القضايا الجمالية (سماعًا، قراءة، مشاهدة)؛ أي تفاعل حواسنا مع الشيء الجميل. وكما يهتم هذا العلم بدراسة المفهوم الجمالي والمعايير الجمالية. 

 وقد عُني في مراحل سابقة وكان مجمل تركيزه بدراسة الفن والجمال الفني.

وقد عرَّف هيجل علم الجمال (Aesthetics): "إنه علم الإحساس والشعور". وهو تعريف عمومي لا يُكسب العلم ماهيته الحقيقة والخاصة به ويقتصر على التعميم.

فعلم الجمال: هو أحد العلوم الذي يجب أن نوليه اهتمامنا ونجعل منه أداة لبحثنا وعملنا. 

فالجمال هو كل صنعة بهية تخلق في نفوسنا لذة جمالية وهو لا يقتصر على الفن والنتاج الفني فمع تطور العالم وتطور معارف الإنسان وقدراته العلمية والعملية توجَّب على علم الجمال التطور ليكون أداة فعالة في خدمة الإنسان والمجتمع.

 اليوم يعد علم الجمال حاجة ماسة في ظل فوضى الأفكار والصور؛ لنستطيع تصدير الأخلاق والقضايا للمجتمع بمحتوى جميل ويكون بإمكاننا تحديد المعايير الأساسية التي تمكننا من تصنيع الشيء الجميل والبهي.

(كيف يكون لنا مستقبل دون أن نتذكر الماضي)

"جاستون باشلار"



الماضي هو العامل الأساسي  في رسم الحاضر وفهم المستقبل فهو أحد الركائز الأساسية في المعادلة الأساسية في حياتنا وفي حياة الحضارات والمجتمعات (الماضي=الحاضر=المستقبل).

فعلينا أن نكون واعين لأهمية معرفة ودراسة الماضي لنتمكن من تغيير الحاضر وبالتالي تغير المستقبل.

وفي علم الجمال علينا فعلًا معرفة الماضي وتاريخ الجمال في الحضارات السالفة وتغير المعايير والمقاييس الجمالية وسبب تغيرها ضمن الحقب الزمنية والحضارات الإنسانية، لذلك يعد الماضي والتاريخ هو بوصلة ستدلنا وتمنحنا الاتجاه الذي

يجب أن نتجه نحوه كي نكمل مسيرة تطور العلوم بشكل عام وعلم الجمال بشكل خاص، وهذا الذي سوف نستعرضه باختصار.

هل الجمال ثابت وهل تغير؟

أثبت التاريخ الإنساني أن الجمال متغير متبدل ويسبب تغيير المقاييس الجمالية عدة عناصر فيها مباحث ودراسات كثيرة.

 ففي العصور القديمة كانت مقاييس الجمال تتناسب مع ثقافة الأقوام وحضاراتهم، فبعض الثقافات فضل لون البشرة البيضاء، وأخرى السمراء، وكما تعد بعض الثقافات لون العيون عاملًا مهمًا في الجمال، وهذا مثال عن تبدل اختلاف المعيار الجمالي لدى الإنسان.


إن تطور الفنون هو دليل مهم على تطور المقاييس التي تسبب اللذة أو الدهشة الجمالية فإذا عدنا للعصر الحجري أو ما بعده بقليل نجد أن الفن والجمال الإبداعي في تلك الحقبة كان يتمثل بالنقش على الصخور لأشكال حيوانات وإنسان. 


وكانت رسومهم على الصخور هي الجمال الفني في تلك الحقبة.

وإذا ما نظرنا في الفنون في العصور التالية نجد أن الفن الجميل والمنتج الفني قد تطور وصار الفنانون يبدعون بشكل أكثر دقة، وينتجون لوحاتًا وفنونًا أكثر تطورًا وتقنية.

فهناك عدة قضايا تلعب دورًا مهمًا تجاه شعورنا، وإحساسنا بالأشياء:

القضية الأولى: الجهل والمعرفة: الجمال مرتبط بشكل أساسي بالمعرفة والإدراك، حيث من المستحيل أن نقول عن قصيدة فرنسية أنها قصيدة جميلة إذا لم نكن نتقن الفرنسية كشرط أول.

وكما يعرف أن العرب لم يكونوا يفضلون لون العيون الأخضر والأزرق، ويقولون أنها تشبه عيون الجن؛ وسبب ذلك يعود لندرة هذه العيون عند العرب الأوائل.

لذلك فالشرط الأول لإدراك الجمال والإحساس به هو المعرفة المبدئية به أو بموضوع ذو صلة به.

فمن لا يعرف معنى مفردات الشعر الجاهلي لا يفقه معناه، ولذلك فهو لا يراه جميلًا مع أنه مذهب الشعر العربي وأجزل ما كتب فيه.

القضية الثانية: لسنا حيادين جماليًا:

نحن نخضع لتأثيرات البيئة الاجتماعية والموروثات الثقافية التي تؤثر على تفاعلنا مع القضايا الجميلة، لذلك نحن لا نستطيع أن نجزم أن هناك شيء جميل في ذاته، حين أن جهلنا به ومعرفتنا به هما ما يجعل إحساسنا به غير حيادي.

وكما أن الحالة السيكولوجية والصفات الشخصية والفيزيولوجيا كلها قد تلعب دورًا مهمًا في شعوريتنا الجمالية.

القضية الثالثة: المثال الأعلى:

الإنسان غالبًا ينظر للمثال الأعلى أنه كامل الصفات والأوصاف، ويحاول تقليده واتباع سبله وخطواته وحتى بالنسبة للجمال، فقد ارتبط الجمال البشري في كثير من مراحل التاريخ بالطبقات الأرستقراطية ومحاولة تقليدهم باللباس والتجمل، وكما وضعوا في عصورهم مقياس للجمال، وينطبق ذلك على الأدب والفنون، فما تحبه هذه الطبقة كان يشهد رواجًا في باقي الطبقات، لكن اليوم تغير الوضع في ظل العولمة، فقد صار هناك العديد من قنوات التأثير التي تصنع المثال الأعلى بأشكال مختلفة عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعية.

لنخوض قليلًا في الشخصية الفنية الإسلامية التي تعبر عن المنظور الإسلامي، الذي يرى الإسلام من خلاله الجمال المتجسد في الفنون والآداب؛ حيث اتسمت شخصية الفنان المسلم بصفات رئيسية عدة فالفنان المسلم، الإنسان الموهوب السوي الملتزم.

أولًا: الإنسان الموهوب:

أما الموهبة فهي المنحة التي يمنحها الله لإنسان؛ بحيث يرهف حسه، وترق مشاعره وتنفذ بصيرته.

إنها قضية غير مكتسبة ولكنها "هبة"

يقول الأستاذ محمد قطب:

"الفنان شخص موهوب ذو حساسية خاصة، تستطيع أن تلتقط الإيقاعات الخفية اللطيفة التي لا تدركها الأجهزة الأخرى في الناس العاديين، وذو قدرة تعبيرية خاصة تستطيع أن تحول هذه الإيقاعات إلى لون من الأداء الجميل يثير في النفس الانفعالات، ويحرك فيها حاسة الجمال.

ثانياً: الإنسان السوي:

إنه إنسان متوازن، والتوازن يجعل الفرد ذا عطاء إيجابي في جميع الميادين، وفي كل الاتجاهات وذلك أن الوئام يخيم على حياته. إن الفنان قبل أن يكون فنانًا ينبغي أن يكون إنسانًا سويًا، يأخذ التوازن أبعاده في كيانه، وله تصور كامل عن الكون

والإنسان والحياة.

ثالثاً: الالتزام:

إذا كنا بصدد الحديث عن الالتزام، فينبغي أن نفرق بينه وبين الإلزام. فالالتزام اتجاه ينبع من حرية الفنان؛ حيث يختار ذلك المسلك بملئ إرادته، تدفعه إليه رغبته، فهو تعبير عن حرية الفنان. أما الإلزام فهو موقف سياسي أو اجتماعي، تتخذه طبقة أو حزب، ثم تفرضه على من هو تحت سيطرتها، فإن كان الفنان في هذه الحالة يعمل بدافع من قناعته بذلك الموقف؛ فهو ملتزم، وإن كان يعمل تحت عامل القهر والإكراه؛ فهو ملزم.

لقد عني المسلمون بكل الأصقاع والأمصار بالجمال والفن، وطوروا فنونًا خاصة بهم، وانطلقوا بشكل رئيسي من منظورهم الإسلامي الشامل للحياة، فهم ينظمون الشعر وينشؤون في الأدب والفنون بما ينسجم مع هذه النظرة التي اعتنقوها كأسلوب

للحياة.

فازدهرت الفنون في عصور الدول الأموية والعباسية وفي الأندلس، وقد حدث تغير تلقائي في المواضيع الشعرية في الصدر الأول للإسلام بما ينسجم مع المنظور الجديد، لذلك فالفنان المسلم هو الفنان الذي ينطلق إبداعه وينمو بحرية من إيمانه العميق بنظرته الشاملة للكون.



بقلم : ماهر دعبول.



المراجع:


تاريخ الجمال، جورج فيغاريلو، مركز دراسات الوحدة العربية.


علم الجمال وفلسفة الفن، فريديرك هيجل، مكتبة دار الحكمة.


جمالية الصورة، جاستون باشلار، التنوير للطباعة والنشر.


‏الفن الإسلامي التزام وابداع، صالح أحمد الشامي، دار القلم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم