يوميات فكرة | ماهر دعبول



عندما كنا صغاراً كنا عاجزين عن ايصال حاجتنا ومشاعرنا للأشخاص الكبار، نعجز عن التواصل مع أهلنا.
فنلجأ للبكاء ..

كان البكاء وسيلتنا الأجدى للتواصل مع والدينا فنستعطفهم به ونخبرهم عن ألمنا وجوعنا من خلاله.

البكاء هو وسيلة الأطفال وطريقتهم للتعبير عما يعجزون عن إيضاحه عن طريق الكلام.
وعندما كبرنا وكبرت لغتنا وتضاعفت مفرادتنا أصبحنا أكثر قدرة على التعبير فصرنا نعبر عن مشاعرنا وأحلامنا بكلمات.

ككاتب كان دافعي الأول والأقسى للكتابة هو ذاته دافع ذاك الطفل للبكاء فكنت أكتب عندما أشعر بالعجز عن التعبير عما أود قوله وإيصاله للناس ولنفسي.

حين نشتاق، نكتب
وحين  نحب نكتب..
وعندما يصير الفراق حاجزاً مظلماً، 
حائطاً قاسياً ومؤلماً بيننا وبين من نحب، نكتب لنقول لهم: اشتقتك مخترعين الكثير من الطرق والكثير من التراكيب وأجمل المفرادات وأكثرها إيلاماً لنعبر عن شعورنا بالعجز..
العجز عن التعبير عن وصف الحد الذي وصلنا له شوقاً وعجزنا عن كسر البعد وإحياء الوصل فنكتب...

تعجز كلمة واحدة، فننظم الشعر ونكتب القصص والرسائل والروايات لنقول "أحبك" في قصيدة وفي رواية وفي الرسم والغناء..

فالفنون هي مساحتنا لنكسر شعورنا الذاتي بالعجز ونحطم قيود الكلام  والإعتياد ونبتكر أروع الطرق للتعبير كتابة ورسم وغناء..

وعندما تصير بلادنا مليئة بالألم ويسود فيها الدمار والخراب والفقر والقهر والجوع والتعاسة نكتب ..
نكتب لنعبر عن أوجاع أوطاننا وألمه، ذاك الألم الذي جعلنا في صدمة حبستنا في عنق زجاجة لا نستطيع الخروج منها فنعجز عن التنفس فنكتب لنعبر عن هذا الحال المؤلم وعن غصة في روح لنقول للناس أننا ثكلى بأوطاننا وأنا الوطن أرملة ونحن أيتامها.


وحده الفن ساعدنا..
وحده الفن انقذنا..
كان البرد شديداً فتغطينا بورقة وكتبنا لنكسر ذاك الشعور بالعجز..
تهدم حائط فرسمنا عليه..
تألمنا فغنينا تألمنا فنظمنا من ألمنا بحر عروضياً جديداً وسميناه بحر الأمل ونظمنا فيه قصيدة الأمنيات..

لذلك فشعورنا الداخلي بالعجز هو سلاح الفنان ليواجه عزلته وتحدي ذاك العجز عن طريق الفنون هو أنجع طريقة لخلق تجربة انسانية خالدة وجميلة.

لنكسر كل المرايا ولنتأمل في ذاتنا 
فداخلنا كل الجمال ..

بقلم: ماهر دعبول

إرسال تعليق

أحدث أقدم