أحجية الفلسفة | ماهر دعبول

 الفلسفة هي أقدم الأنشطة الفكرية في تاريخ البشرية وقد نشأت منذ العصور القديمة محاولة الكشف عن أسرار الكون والإنسان.

الفلسفة هي كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني φιλοσοφία فيلوسوفيا، وتعني حرفياً "حب الحكمة".

والفلسفة هي البحث عن معرفة الموجودات ومعرفة الواجد. كما عبر عن ذلك ابن راشد: (كلّما كانت المعرفة بالمصنوعات أتمّ كانت المعرفة بالصّانع أتمّ).

واجه الإنسان العالم بالدهشة التي جعلته يطرح الأسئلة حول أسرار هذا الكون وموجوداته، فنتج عن ذلك الفلسفة الأولى التي كان من أهم مواضيعها الرياضيات والطب والقانون وعلوم الطبيعة والانطولوجيا.

ومع تقدم النظريات والمناهج في هذه العلوم وصلت لمرحلة البلوغ العلمي وتركت بوتقة الفلسفة واستقلت.

ولكن بقي للفلسفة ذاك الدور الذي يعالج الواقع ويجمع كل المنتجات العلمية والفكرية ليصوغ نظرة الإنسان للعالم وللعلم وللموجودات.


   وقد تطورت الفلسفة كثيراً، وتنوعت فروعها ومباحثها والعلوم الرديفة لها، فصارت مباحثها الماورائيات والانطولوجيا (وهي علم الوجود وعلم النفس الفلسفي واللاهوت وعلم الكون، والأخلاق وفلسفة المعرفة وفلسفة الطبيعة ونظرية العلوم والمنطق وفلسفة اللغة والدين وفلسفة الحقوق وعلم الجمال)


الفلسفة ليست علم بل هي كيان موازي للعلم، فتعمل الفلسفة مع العلم لصياغة نظرة الإنسان للعالم والموجودات.


  إن الفكر العام السائد عن الفلسفة في المجتمعات العربية أنها "مبحث يناقش الإلحاد" ويتبناه ولكن هذا الفكر خاطئ ناتج عن آراء بعض الفلاسفة الذين أنكروا الإيمان بالخلق والأديان، وعلى الطرف الآخر هناك الكثير من الفلاسفة الذين دافعوا عن الإيمان بخالق لهذا الكون، وهم الأغلبية منذ العصور اليونانية القديمة وحتى يومنا هذا. وأهمهم ديكارت الذي وضع أدلة عقلية وفلسفية تثبت وجود خالق لهذا الكون.


ولكن وكما قال الإمام علي _كرم الله وجهه_: (الناس أعداء ما جهلوا).


والسؤال الأهم، ماذا ستقدم لنا الفلسفة اليوم؟


سؤال مهم وله إجابة واسعة، وشرحاً يحتاج مؤلفات ورسائل وأبحاث فلسفية ولكن سنحاول ذكر أهم النقاط التي ستقدمها الفلسفة لنا.

فعلى الصعيد الفردي: ليس مطلوب منا كرواد لنهر الفلسفة أن نتبنى آراء ونظريات المدارس الفلسفية، ولكن أن نتعلم المنهج الفلسفي البحثي، أن نطرح الأسئلة عندما يدهشنا هذا الكون بمكنوناته محاولين أن نستخدم الفلسفة لنصل إلى المعرفة الأصلية.

أن نتعلم المنطق والاستدلال والاستقراء وكيف نصل للمعلومات بشكل سليم ومنهجي.

أن نتعلم الجرأة الفلسفية والشجاعة للغوص في بحر الأسئلة منطلقين نحو المعرفة، محاولين صيد كنوزها.

الفلسفة ستجعل منا أشخاص أكثر قدرة على التمحيص والنقد، وتجلع منا أشخاصًا نقرأ الواقع بشكل أفضل وتقدم لنا الفائدة على اختلاف اختصاصاتنا؛ فهي التي تساعدنا على صياغة الأدلة والبراهين التي تحاجج عن المعتقدات والنظريات في كل المجالات العلمية الطبيعية والدينية والعلمية الإنسانية.



كيف تغير الفلسفة في مجتمعاتنا؟


الفلسفة هي الفاعلية التي تتحرك بين العلوم لصوغ الأهداف والغايات الخاصة بنهضة المجتمع عن طريق، جمع الناتج العلمي والاجتماعي والثقافي للمجتمع ووضع الوسائل والطرق للوصول لتلك الأهداف بما يتناسب مع قيم وعقائد المجتمع.

الفلسفة هي الحاضن لمجاميع الحقائق العلمية، وتضيف لها النتائج المحصلة من العلوم الإنسانية وتخلص للنتائج بما يناسب القيم والأخلاقيات السائدة بالمجتمع.

   الفلسفة هي جزء مهم لصوغ الحقيقة في هذا العالم وهي ليست كل الحقيقة بل هي جزء مهم للوصول إليها. وإن أهم أسلحة الفلسفة هي الأسئلة، والتي بدورها تتعاون مع العلم لصوغ نظرياته، وتتعاون مع الدين لوضع أدلة وبراهين وحجج حول معتقداته، وتتعاون مع الأدب لتحديد الجميل البديع منه والأجمل، وأسباب ذلك. وتغوص في الماورائيات لتثبت الحقائق وتناقشها.

"إن الفلسفة بحر على خلاف البحور يجد راكبه الخطر والزيغ في سواحله وشُطآنه والأمان والإيمان في لجُجه وأعماقه" (أبو النور السمرقندي)





بقلم: ماهر دعبول.

1 تعليقات

  1. صدق السمرقندي.. لابد التوغل فيها وان كان الابحار فيها خطر لكنها ستفضي الى الامان ..وكما قلتم ليس بلضرورة تبني افكار الفلاسفة..
    بل الأخذ بمنهجيتهم..

    ردحذف
أحدث أقدم