البارانويا الإيديولوجية | ماهر دعبول

 أن ترى شخصًا يعتقد أنه وحده من يغير العالم، وأنه مركزٌ لأهمِ التغيراتِ الحاصلةِ في محيطهِ، وأن الكثيرين يحيكونَ له المكائدَ، ويحاولون التخلص منه، فهو الخير الوحيد.

إنها (البارانويا) مرضُ نفسيُ يعاني المصابون بهِ من سيطرةِ أفكارٍ ومعتقداتٍ، لها منطقٌ خاصٌ من اختراعه. ويتسم سلوك مريض (البارانويا) بالشك والريبة والعناد المبالغ فيه؛ لإثبات صحة معتقداتهِ وأفكارهِ. 


لكن هل يوجد مذاهب أو مجتمعات أو عقائد تعاني من البارانويا ؟


   يحمل البشر في كوكب الأرض الكثير من الأفكار والعقائد التي تقسمهم وتفرق بينهم على الصعيد الميتافيزيقي، والصعيد الاجتماعي والعرقي والسياسي، وحتى في التجمعات العلمية. حيث غالبًا ما يتجمع البشر كمجموعات، وكل مجموعة تحتكرُ الخيرَ لنفسها، وتحرِمُ الأطرافَ الأخرى قِسطها مِنه، وتصيرُ البارانويا جُزء من اللاواعي الجمعي للجماعات التي تشعر غالباً أنها الفُرقَة الأفضل، وكما أن باقي الفرق تحاول استهدافها، ويصدرُ عن ذلك الشعور الجمعي بالعظمة والارتياب.


   هذا ما تجسد في كثيرٍ من المجموعاتِ الراديكاليةِ، التي أسستْ الجُزءَ الأهمَ مِن بِناءها العقائدي على فكرة الفُرقة الناجية. وهذا يتجسد على المستوى الديني، ونرى آثاره في الحروب والصراعات التي نشأت من منطلق "الريبة والعظمة". ونراه أيضًا على المستوى السياسي، فبالرغم من تقدم الديمقراطية في العديد من دول العالم، مازالت الأطراف اليمينة واليسارية تحشد بفكرة نظرية البارانويا، فكل طرف يرى في نفسه صاحب الحق الوحيد.

وكما أن طبقات المجتمع المتعددة كلٌ منها بشكل منفصل أنها الأفضل والمستهدفة مثلًا: (البورتريه والبرجوازية والأرستقراطية).


    البارانويا ليست التعصب لفكرة ما، بل هو الاعتقاد بعظمتها، واستحالة وجود أي أفكار من الممكن أن تجاريها.

ويحدث ذلك مع المجتمع العلمي، أو ما يسمى بأنصار العلم، فهم يقارعون بعضهم بعضًا في المناظرات والمحافل العلمية، وكلٌ يحاول احتكار العلم لذاته، ونسب التفاسير العلمية للأشياء لنظرية دون أخرى، معتقدين أنها التجسيد الحقيقي للحقيقة.

   إذا ما أردنا البحث عن تضادٍ ما مع البارانويا الإيديولوجية، نرى أنه "الحرية الفكرية" التي تجعل من العقل الأداة الأهم للوصول للآراء، وتسمح لنا اختيار الصواب والخطأ.

 حيث نرى أن كثير من أنصار العلمانية يجعلون دأبهم أن يذموا وينقدوا ويشتموا أنصار الفكر الديني والميتافيزيقي،

ويتهمونهم بالتخلف، وعلى الطرف المقابل يقوم أصحاب الفكر الميتافيزيقي بحشد قواهم للذود عن عقائدهم، ومهاجمة الطرف الآخر؛ حيث يعتقد كل طرف منهم أن الآخر يحاول هدمه، ويعتقد أتباعه أن الفضل حِكرٌ عليه. لذلك فالحل المهم أن نقبل الاختلاف، وتعددية الحقيقة والحق، ونحاول دوماً أن نبني جسور التعاون والتآلف الإنساني، محاولين التأثير بالعقل الجمعي؛ لتغيير فكرة الارتياب الاجتماعي، واحتكارية الخير.


البارانويا الإيديولوجية هي واحدة من أهم المصاعب التي واجهت البشرية منذ القدم، وكانت سببًا لصراعات عسكرية وفكرية ومذهبية حول العالم، لذلك ينبغي أن نحرر عقولنا وانسانيتنا ونتقبل اختلاف الناس حولنا، وتعدد مشارب فكرهم، ونتقبل ألوانهم وأديانهم وأفكارهم، ونحترمها علَّ البشرية تسير يومًا نحو مجتمعات أكثر رقيًا.


بقلم: ماهر دعبول.

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم