جمالية أدب الرواية | ماهر دعبول




تخيل نفسك في وسط الليل والسماء ترصعها النجوم والأجرام اللامعة فتحيل الغسق ضياء.

لو طلبت منك أن تصف السماء بقيمة واحدة، كلمة واحدة فقط قيمة من بين القيم الثلاث الكبيرة (الحق، الخير، الجمال)

هل ستقول سماء خيرة؟

هل ستقول سماء حقيقية؟

أظن أنك ستقول إنها سماء جميلة.

وذلك لأنها القيمة التي يفرضها علينا النظر للجمال أن نوسمه باسمه وأن نستشعر لذته داخلنا.


إننا نبحث دومًا عن الجمال في الفنون والآداب، وإن أصدق حكم وأفضل حكم نطلقه على قطعة فنية أو أدبية هو الجمال.

فالأعمال الفنية تقاس بالقيمة الأسمى للفنون وهي الجمال.

فنحن نقرأ الشعر ونرسم اللوحات ونسمع الموسيقا ونقرأ الروايات بحثاً عن الجمال أولاً.

واليوم سوف نتحدث عن الجمال في أدب الرواية.


الرواية، هي فن سردي حكائي يتميز ببناء أدبي متسع وحبكة عميقة وشخصيات أكثر تمردًا وكما تتميز بلغة متراقصة ومتناغمة تتحرك صعودا ونزولا بما يتسق مع الحاجة الدرامية.


ما هي الصفات التي تمكننا من أن نسم العمل الروائي بالجمال؟

إن الروايات على تعدد غاياتها وأنواعها تتفق جميعها على عدة عناصر تميز الرواية الجيدة:


الحبكة: يجب أن تكون حبكة الأحداث وترابطهم عميقا مدروسا ومحكما ومنسجما مع الأحداث والشخصيات وتضمن للكاتب أن يخلق عند القارئ الكثير من التشويق فالرواية الخالية من التشويق تكاد لا تقرأ، إذ يعد التشويق العنصر الأهم في الرواية.


اللغة العالية: إن لغة الرواية هي لغة شاعرية وليست لغة شعرية وهي لغة تكلف بالجملة كي تظهر الجمالية القابعة بتناسق الكلام وتقفز بالسرد قفزة نوعية ليغوص أحيانا بأيديولوجية وسيكولوجية الشخصيات وتبدع في وصف الأماكن والشخصيات والأزمان والأحوال، وكما تبدع في الغوص لأعماق الشخصيات.


الإبداعية: إن الرواية الجيدة هي التي تأتي بالجديد وتبتعد عن التقليد والتماهي مع أعمال أخرى والروائي يجب أن يشق طريقه ليكسب نفسه أولاً شخصية خاصة وبعدها لينعكس ذلك في عمله الروائي ولغته الفنية والإبداع في الرواية قد يكون بموضوع الرواية أو أسلوبها وزمانها ومكانها.. الخ.


الحكم على رواية ما؟ 


إن الرواية هي نوع أدبي وفني يتذوقه القارئ كما يتذوق الطعام ويستمتع به بشهية أدبية كبيرة، وإن إطلاق حكم جميل وقبيح قد يختلف من شخص لآخر ومن جنس لآخر ومن زمان ومكان لآخر، لذلك لا يوجد عمل جميل بالمطلق وهذا يحتم عدم وجود عمل قبيح بالمطلق إذ أن ذلك يعود بداية لذاتية القارئ الذي يطلق الحكم تبعًا حالته الثقافية واللغوية والنفسية والاجتماعية ومرجعيته الإيديولوجية والدينية.

فكثيراً ما سمعنا عن روايات نالت جوائز وكانت ذات سيط واسع، ولكن عندما تذوقنا حروفها صدمنا بعدم جماليتها.


وكما أن خلو عمل أدبي من النقد لا يعني جمالية هذا العمل، وإجماع النقاد على جمالية رواية لا يعني أبداً إجماع القراء.


فالناقد يقرأ الرواية بشكل مختلفاً تماماً عن القارئ.

وتظل الرواية عصية إلى حد ما على النقد وتظل الفجوة بين الناقد والروائي كبيرة، ويعود ذلك للحرية الكبيرة التي تتسم بها خصائص الرواية والتي تعطي الروائي حرية كبيرة لصوغ عمله الأدبي بإبداع كبير ويقفز بأدبه فوق القواعد ويكسر الرتابة.

الرواية ليست كما الشعر تجربة مباشرة بل هي تجربة ورحلة طويلة في أزمان وأماكن مختلفة تخلف عند القارئ الكثير من المشاعر التي ترافقه طوال فترة سيره مع العمل الأدبي.

لذلك على كاتب الرواية أن يتقن صنعته ويجعل من روايته محفل ابداعي وساحة معركة يواجه فيها التقليد لينتصر بها كل جديد، وعليه أن يجعل من كل عمل أدبي مدينة كاملة فيها الكثير من الدرر والمفاتن التي تسر الفؤاد.



بقلم: ماهر دعبول



إرسال تعليق

أحدث أقدم