جمالية أدب الرسائل | ماهر دعبول

 



إنه قارب الرسالة، ينتظر الوافدين لرحلة شيقة في بحر الأدب الواسع فهلا صعدتم؟

منطلقين من ذواتنا، إلى ذواتنا باحثين، عن المعرفة والحقيقة والحب في بلاد تنتظرنا جميعاً، لنكتب لها الكثير من الحب والسلام لنرقي بالأدب جراح الحرب.

اليوم نحن نقف في أدبنا المعاصر، ككتاب ومثقفين راغبين بقيام عملية إنزال أدبي، لنخرج مارد الرسالة من قمقمه وليتحرر هذا الفن من قيود السلف، ويصبح أكثر صلابة ومرونة ليعبّر عن تطلعات القارئ والمجتمع الأدبي.


أدب الرسالة: هو أحد أقدم آداب العرب، والذي كان يعتبر من أكثر جواهر الأدب جمالاً، وإبداعاً وساد في عصور قديمة، عن طريق الكُتب التي ترسل مع أمين عليها ينطلق بها منفرداً أو مع قافلة تشق الصحراء وتعبر البراري.

وفي عصور أخرى، استخدم الحمام الزاجل، كحامل لكلمات العرب ومحتضناً رسائلهم الأدبية والسياسية والاقتصادية..

وكان للرسائل الأدبية غايات كثيرة، منها المدح والعتب والشكر والاعتذار…

وفي العصر الحديث، هجر العرب أدب الرسائل واقتصرت على مراسلات المتحابين والأصدقاء بين بعض الأدباء والأديبات، والتي لم تعط هذا الفن حقه ولم تغرف، من نهر الرسالة سوى شربة لم تروي ظمأ القارئ.

وسوف نفند اليوم خصائص الرسالة الأدبية الحديثة، والسمات الجمالية فيها، والعناصر التي تمايزها رسالة اليوم عن رسالة الأمس.


السمات الجمالية للرسالة الأدبية:


الغائية: الهدف والغاية هما السمة الرئيسية لأدب الرسالة، فهي رسالة أدبية شخصية مرسلة من الأديب، إلى شخص معروف أو إلى أديب أخر أو شخص غير معروف وذلك؛ بهدف ما يحدده الكاتب وقد يكون هدف الرسالة هو استيضاح قضية ما، أو عرضها والبحث فيها وقد يكون هدف الرسالة، وصف مكان ما أو حدث ما أو شخص ما.


وكثيرة هي الأهداف التي تتسم بها الرسالة، والتي يحددها الكاتب والتي قد تكون بهدف واع يدركه المرسل.


الذاتية: الرسالة هي أداة أدبية ذاتية، تعبر بشكل أساسي عن مرسلها وعن أراءه ومشاعره وقيمه ونظرته العامة الشامة والخاصة الشخصية، للعالم والثقافة واللغة والمجتمع، الإنسان لذلك تشترك الرسالة مع الشعر بالذاتية وتتمايز بذلك عن الرواية والقصة.

التكثيف والبلاغة: إن الرسالة الأدبية مكثفة جداً، وتلتزم بما يشتهر عند العرب أن البلاغة في الإيجاز لذلك فهي تُكتب بلغة جميلة، ومفردات منتقاة، وصورة بهية وسريعة المرور في النص .

فكاتب الرسالة يعنى بجمالية اللغة، وتكثيفها وعدم الإطالة وذلك بما ينسجم مع كونها رسالة، فقد يكون طول الرسالة بين 200 كلمة وحتى 1000 كلمة.


اللغة العالية: تتسم لغة الرسالة وهي نص سردي بكونها من أكثر الفنون شاعرية وجمالية، فهي تأخذ من الشعر اتقانه ورصانته وشاعريته، وتأخذ من السرد حريته واتساع صوره

الفنية، فتكون الرسالة مزيج مبهر بين الشعر والنثر وتكون الموسيقا الخاصة بالرسالة واضحة وجلية.


البناء الفني: إن الرسالة تمكن كاتبها من استخدام فنون عدة داخل بناءها وسبكها الأدبي، فكاتب الرسالة قد يضيف لها بعضاً من الشعر كي يجعلها أكثر جمالية، وأيضاً قد ينسج من خلالها قصة تجعل الرسالة أكثر تشويقاً.

القيمة التاريخية والفنية: الرسالة هي قطعة حضارية، فنية ووثيقة تاريخية، قد توثق لحظة ما أو مشهد تاريخيا مهم، وقد تصف مكاناً وتخلده وهي ذات قيمة حضارية حيث تتميز بكونها واقعية وخارجة عن ذات كاتبها، وهي أيضاً قد تكون ورقة معرفية مهمة؛ فالرسالة المميزة هي الرسالة التي تناقش قضايا مهمة، للمجتمع فقد يكون موضوعها الفلسفة والدين، والسياسة والمجتمع، العلم، حقوق الإنسان والحب والأخلاق.

والآن، بعد أن تعرفنا أهم سمات الرسالة الأدبية آن الأوان كأدباء أن نبحث، عن شريك أو شركاء مراسلة وذلك؛ بهدف خوض تجربة الرسالة والكتابة في هذا الأدب الجميل،والبهي، وكي نشارك ونخدم مجتمعاتنا عن طريق الرسالة الأدبية.


فتاة الرسالة جالسة في قصر قرمزي، تنتحب أبناء الأدب الذين هجروا قصرها، وكفو عن ريادتها فهل حملتم بعض رسائلكم وتفضلتم معنا!!


بقلم الكاتب ماهر دعبول

إرسال تعليق

أحدث أقدم