وجد شابٌ
نفسه في مجتمع لا يُعينه ولا يرشده، يتخبط في طرقات وعرة وفي دروب لا يعرف حقاً
إلى أين تقوده ولا يعرف في النهاية إلى أين سيصل، ولا من سيكون في نهاية هذه الرحلة.
هذا حال
شبابنا اليوم الذين يعيشون في عصر سمته الأساسية الفوضى، فيكبر الشاب ولا يجد من
يوجهه ولا من يدله وعندما ينظر لمجتمعه لا يرى سوى التقاليد والأعراف والحدود التي
يفرضها عليه مجتمعه دون أن يفهم حقاً سبب فرضها فيفر من ذلك كله إلى وسائل التواصل الاجتماعي ويغرق فيها بالإضافة لذلك يرى الجهل المنتشر في المجتمع وكأنه صخرة كبيرة تحجب النظر وتعيق الحركة .
لدى
الشباب بستان من الطاقات والقدرات والإمكانيات لكنهم عاجزون عن إدراكه.
عليهم البحث عن ذواتهم وخوض الرحلة الأهم في حياتهم والصعود بالعقل إلى سفينة التفكر والفكر.
لكن هناك عنكبوت يحيط
بنا:
لكن هناك
عائق، ليس كبيراً لكنه يسيطر علينا بشكل غريب ويحيط شباكه حولنا، يسيطر علينا
عقلياً وفكرياً وحتى عاطفياً ويغيرنا على مستويات عديدة شخصية واجتماعية ونفسية
وحتى صحية.
إنها
وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحيط بنا كعنكبوت ينسج شباكه حولنا ويضعنا داخل سجن
وهمي ارتضيناه نحن.
معظمنا لديه
فيسبوك، ولكن من منا يملك كتاب ورقي أو حتى إلكتروني؟
كلنا نجلس
على الواتس أب واليوتيوب وسائل التواصل لكثير من الوقت نتابع المنشورات والأصدقاء
ولكن من منا يقرأ كتاباً؟
إن واقع مجتمعنا هو تجسيد للفرق بين الكتاب والفيسبوك، إن مجتمعنا اليوم
يـتأثر حتماً بوسائل التواصل الاجتماعية.
الفيسبوك
الذي سمح للجاهل أن يُحدث بالعلم والسافل أن يُحدث بالأخلاق ونشأت فوضى الكلمات
والمنشورات التي ليس لها نهاية ولا حتى بداية وفي كل المواضيع وبلا موضوع أحياناً.
المشكلة على المستوى
الفردي:
إننا وبسبب الاستخدام "المفرط" لوسائل التواصل الاجتماعي نحصل على التسلية
ولكننا في الوقت ذاته نقوم بحرق وقتنا ونقضي الوقت الطويل دون أن نشعر أنه مر
أصلاً، وبالإضافة لضياع الوقت نحن أيضاَ نتضرر نفسياً واجتماعياً وصحياً وحتى
فكرياً من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المفرط.
عندما
تنظر إلى الفيسبوك أو انستغرام أوتيك توك سنحصل على الكثير من التسلية ولكن لن نجني
أي فائدة مقارنة مع الوقت الذي نقضيه.
دعونا
نستخدمهم ولا نسمح لهم بأن يستخدمونا.
وسائل
التواصل الاجتماعي هي متاهة ندخل بإرادتنا ونعجز عن الخروج منها متاهة بال نهاية وبلا
مخرج
المشكلة على المستوى
الاجتماعي:
بالإضافة لتلك الأضرار على المستوى الشخصي التي يتسبب بها الاستخدام المفرط لوسائل
التواصل الاجتماعي هناك أضرار عديدة على المستوى الاجتماعي، فقد تراجع التواصل البشري
الحقيقي بيننا كبشر وتراجعت عند كثير من الأفراد مهارات التواصل بالإضافة إلى تأثر
بنية المجتمع التي بدأت تتخلخل بسبب هذا النمط الجديد والغريب للحياة المعاصرة.
يتخاصم
الأحباب بسبب منشور وتنتهي علاقة بسبب تعليق.
الاحتفال
أصبح بمنشور والتعزية بتعليق وحتى الحب أصبح الكترونياً.
فقد المجتمع اليوم اجتماعيته بسبب "وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاته"
وأصبح متأثراً بشكل مباشر بشبكة العنكبوت.
فوائد
وسائل التواصل الاجتماعي:
إننا
بالرغم من السرد الماضي لأضرار وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن له العديد من
المنافع وهنا يمكن ذكر أنها فعلاً سهلت التواصل بين الناس وجعلتنا نتخطى الحدود
والمسافات فكانت بلسماً لمن بعدتهم المسافات وفرقتهم الدروب وأيضاً كان لها فوائد
عديدة فهي وسيلة للتعلم وتبادل الأفكار وتطوير الأعمال وحتى وسيلة للنضال بأنواعه
ومنافعة أخرى مهمة اليوم في حياتنا المعاصرة ويمكننا أن نقول من الشاق والصعب جداً
أن نعيش في هذا العصر ونواكب أحداثه دون أن نستخدم هذه الوسائل والتطبيقات ولكن
علينا أن نحرص على الاستخدام المعتدل الذي لا يجعل منا سجناء لشاشات هواتفنا.
علينا أن نستخدم
التقنية وتكون ملكنا لا أن نكون ملكها.
الحلول
وطوق النجاة
إن الحلول
واضحة وإن الجميع يعرفها وهي أن نعيش كبشر عاديين، أن نمشي على رصيف طويل دون أن
نمسك هواتفنا وننظر فيها وأن نأكل دون نشاهد شيء ما، أن ننظر في عيون من نحبهم أن
نعيش حياتنا بدلاً من تصويرها، الحل أن نلعب، نرسم، نكتب، نقرأ، نعمل، نتعلم
بعيداً عن متاهة وسائل التواصل.
الحل أن
نعيش حياتنا دون أن نريها للآخرين ودون أن نشاهد نحن حياة الآخرين.
ولكن
بالنسبة لي طوق النجاة الأكبر والأفضل والذي سوف يغيرنا كأشخاص ويجعل عقولنا أكثر نضجاً
وحكمة هو القراءة.
عندما
تقرأ سوف تفهم أكثر، ستكون مرتباً مثل كتاب له فهرسه وأبوابه وفصوله، تستطيع أن
تجد نفسك بسهولة وأن يعرفك الناس ببساطة.
عندما
تقرأ سوف يمتلئ القلب رأفة وود والعقل علماً وحكمة وسوف تفهم قيمك أكثر
ومجتمعك أكثر والأهم سوف تفهم نفسك.
عندما
تقرأ سوف تنتصر على جهلك وتقدح بالظلام شمعة المعرفة وسوف تصبح ماهراً، وعالماً
ومتخصصاً وقائداً.
عندما
تقرأ ستتخطى الزمن، ستخوض بسفينة الكتاب السنين وتتعلم من خبرات من سبقك وتتعلم
دروساً مهمة ممن سلف.
"
اقرأ "
أمر إلهي،
أول الكلمات نزولاً، اقرأ بسم ربك..
كما
الطعام
كما
الحياة
كما الشرب
القراءة
حاجة أساسية للإنسان.
"
اقرأ "
اقرأ
بسم ربك الذي خلق , خلق الانسان من علق.
تذكر أنك
كنت علقة ذات يوم وأن الله سواك إنسان
عليك أن
تقرأ لتحافظ على إنسانيتك
كي تحافظ
على فطرتك الإنسانية وترقم في جدار قلبك أنك إنسان كرمه الله.
عندما
نقرأ كمجتمع:
عندما
نقرأ ستصير لغتنا أرقى وحديثنا أوضح ومبادئنا أسمى وعيشنا أرغد وسنتمكن بالقراءة
التعرف على هويتنا.
هوية
مجتمعنا بشكل أوضح وأن نعرف تاريخنا وحاضرنا وأن نخطط بشكل سليم لمستقبلنا.
عندما
نقرأ سنعرف ديننا ونفهم قيمه وسنكون متصالحين مع أنفسنا ومع قيمنا.
عندما نقرأ سوف تصير شوارعنا أنظف وبيوتنا أجمل وحدائقنا تتسع لأطفالنا.
عندما نقرأ سنفهم الحرب ونعرف كي نقود السلام وننتصر.
عندما نقرأ سيتحقق العدل وينمو العلم ويضحك ذاك الطفل المسكين.
لذلك إذا ما أردنا نهضة شخصية ومجتمعية علينا أن نقرأ.
أن نستخدم الإنترنت ولا ندعه يستخدمنا ويسيطر علينا.
أن نفتح
عقولنا للمعرفة والعلم.
أن نقرأ
يعني أن ننهض..
في النهاية، نجد أنفسنا أمام تحدٍ كبير في عصر تتشابك فيه التكنولوجيا مع حياتنا اليومية بشكل غير مسبوق. إن وسائل التواصل الاجتماعي، برغم فوائدها الجمة في تقريب المسافات وتسهيل التواصل، قد تسببت في تغييرات جذرية في طريقة تفكيرنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا. لذلك، علينا أن نتعلم كيف نستخدم هذه الأدوات بوعي واعتدال، بحيث لا نكون أسرى لها ولا نفقد هويتنا وذواتنا في خضم هذا التقدم التكنولوجي.
إن العودة إلى القراءة والتفكر والبحث عن المعرفة الحقيقية هي السبيل لتوجيه مسارنا نحو النهوض الفردي والجماعي. فالقراءة ليست مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل هي عملية لبناء الذات وتعزيز الفكر وتطوير المجتمع بأسره. دعونا نستلهم من أولى كلمات الوحي "اقرأ" ونحمل في قلوبنا وعقولنا رسالة العلم والمعرفة. فبالقراءة، سنتمكن من التغلب على التحديات، وسنكتشف ذواتنا، وسنرسم ملامح مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا القادمة.
وسائل التواصل الاجتماعي والإنسان
لافتة
ثقافية
بقلم
ماهر دعبول