سَمحت وسائل التواصل الاجتماعي لكل شخص أن يُعرّف عن نفسه بأنه كاتب.
فصار لدينا (كاتب صور، كاتب منشورات، كاتب ترهات).
وصارت الكتابة هِواية شخصية لا تحظى بأي منهجية للتطور أو الصقل، ولا يُرسم لها أي حدود أو أطر.
وكلنا نرى حجم المنشورات المبتذلة والكتابات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
والمشكلة لا تقف هنا، بل تنمو لتشمل المساس بالذوق الأدبي والتأثير على رأي الشارع العربي.
فهذه الكتابات التي لا ترقى إلى مستوى أدبي ذي قيمة، نجمت عن الفجوة الناجمة عن عجز الكُتاب الجيدين عن مواكبة ذوق الشارع والدخول إلى مساكن الناس.
وعجز الكُتاب عن مجاراة قضايا عصرهم السياسية والاجتماعية والنفسية... إلخ،
وعدم الولوج الحقيقي لعالم القارئ.
مهمة الكاتب الحقيقية هي الالتحام مع هموم الشارع ومزج الأدب والفكر بماء الناس ليكون الأدب جذوة تضيء وشمساً تشرق بعد ظلمة.
فالأدب ليس أدب النخبة، ومعنى ذلك أنه ليس أدب الصالونات الأدبية والنخب المثقفة، بل الأدب هو أدب الشارع والناس الذي يكون يداً تدفع الناس نحو الإصلاح والتطور والحضارة.
مع أهمية الحفاظ على المستوى الفني والتقني ومراعاة الشروط الفنية.
عندما نكتب، يجب أن نلتحم بالمجتمع وننبثق منه وعنه، ونكتب لنا وله، ونكون رصاصةَ سِلمٍ تُطلق من أجله.
عندما نكتب، يجب أن نكون جذوة وعي تسعى لخلق صحوة مجتمعية وقفزة فكرية وحضارية، وأن تصير أقلامنا منابر أخلاقية وعلمية وفكرية.
عندما نكتب، يجب أن نضع في عقولنا أننا نكتب للناس في 2017 وليس لقريش قبل الهجرة.
عندما تعتبر نفسك كاتبًا:
عندما تعتبر نفسك كاتبًا، يجب أن تكون شجاعًا ومناضلًا وسياسيًا تعبر عن هموم مجتمعك وتنبثق عنه.
عندما تعتبر نفسك كاتبًا، يجب أن تقرأ وتقرأ في كل المجالات (الأدب، الدين، الفلسفة، العلوم الإنسانية، العلوم التجريبية...) لتفقه عصرك وتنير دربك ودرب مجتمعك ووطنك.
الكتابة فعل حياة، ليست مفخرة، بل هي مغامرة نضع فيها أنفسنا في تحدٍّ لتغيير المجتمع وتحدي كل لون قبيحٍ فيه، ونكون نارًا تتقد لتضيء.
يا معشر الكتّاب، انهضوا بشعوبكم ولو بكلمة أو انصرفوا...
نعيش واقعًا صعبًا للكتابة نتيجة مخملية الأدباء والمفكرين التي باعدت المسافة بينهم وبين الناس، ونتج عن ذلك كتابة بديلة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن من المهم استغلال البذرة الفكرية في وسائل التواصل الاجتماعي وتطوير المهارات وصقلها، وكما من المهم خروج الكُتّاب من عالمهم المخملي إلى الشارع.
ماذا نكتب ولماذا؟
سؤالان مرتبطان جداً، وذلك لأن تحديد الشق الأول، سبب كتابتنا، سيساعدنا إلى حدٍّ ما في تحديد فلسفة فكرنا وأسلوبنا وماهية الكتابة الخاصة بنا.
يجب أن نكتب، لا لأننا نحب الشهرة، ولا لأننا نريد أن ندعي الثقافة، إن هذا لجرمٌ كبيرٌ.
يجب أن نكتب لأننا نحب الكتابة ولأننا نجد أنفسنا بين السطور ونضيف على ذلك غاية أقلامنا.
إن اليراع الذي لا يحمل هدفًا يصدع به، وقضية يقاتل من أجلها، وخلقًا يسعى لشيوعه، وجمالًا يبغي لذته، ليس إلا قصبة خشب.
الكتابة هي أن نرى العالم ونعيد تشكيله ليسهل على الناس رسمه واقعًا معنا.
الكتابة هي فعل صناعي أي صنعة وفن نصوغ فيه الجمال صياغة.
لذلك: اختر لنفسك ما يليق بها،
شعراً، فكراً، فلسفةً، أدبًا...
لا بأس أن نتعثر فليس هناك كتاب كامل،
ولكن لنبدع، فهنالك مجتمع جائع للمبدعين.
مهمة الكاتب
لافتة ثقافية
بقلم: ماهر دعبول