الرواية ودورها، جدوى وفائدة أدب الرواية.

 



الرواية ودورها، جدوى وفائدة أدب الرواية.

إننا إذ نكتب نكتب في كثير من الأحيان لأجل الكتابة، وكما أن الأدب شغف نعيش به وله، والكاتب الأديب يدمن الكتابة، فتصير الكتابة شغل عقله وعمل فؤاده؛ ولا يبدأ فيها إلا من ذاته، ولا يتوقف عنها إلا إذا دفعته ذاته عن ذلك.

وهذا يخص عموم الآداب والفنون المكتوبة، وأيضاً يشمل بشكل خاص "أدب الرواية" الأدب الصعب، فهو يحتاج وقتاً طويلاً وصبراً كبيراً، والكاتب الأكثر شغفاً

لأن كتابة رواية هي مشروع طويل الأمد قد يعيش الأديب لسنين يفكر، يخطط، يحلل، يرتب، ينظم، يكتب، يدقق، حتى يصل في النهاية إلى رواية متكاملة الأركان، مستعدة أن تقفز إلى حجر القارئ، وهذا ما يجعل دوافع الكتابة الأساسية دوافع مرتبطة بذات الكاتب وشغفه المتقد

وهذا ما يجعل الكثير من المؤلفين وأدباء الرواية بشكل خاص منهمكين في كتابة الرواية كقطعة فنية ذاتية خاصة دون التفكير حول جدوى الكتابة أو فائدة الرواية، وفي الوقت نفسه نسمع من غير محبي هذا الأدب كلمات مثل:

"إذا أردت أن تقرأ كي تستفيد فلا تقرأ الروايات"

كما أنهم يطرحون باستمرار سؤالاً عن فائدة الرواية وجدوى كتابتها وفوائد قراءتها، وهذا ما سوف نناقشه ونحاول البحث والتفكير فيه.


أولاً: لماذا تكتب الرواية؟

الرواية فن أدبي نثري سردي قصصي يهدف إلى إخبار قصة مطولة للقارئ وبشكل مشوق وممتع وأيضاً حماسي، وكما أن الرواية تتضمن شخصيات عديدة منها الشخصيات الرئيسية والشخصيات الثانوية، وأماكن مختلفة وأزمنة مختلفة؛ وإن الكاتب حين يكتب الرواية يضع بين عينيه هدفاً أساسياً وسؤالاً مهماً: كيف أكتب رواية مشوقة وغير مملة؟


وإن التشويق في أدب الرواية هو نقيض الملل وضده، وكلما زاد التشويق قل الملل.

وإن غاية التشويق الكبرى هي المتعة، إذن الكاتب يؤلف رواية مشوقة تجعل القارئ يستمتع أثناء قراءتها.

ولكن في الوقت ذاته المتعة والتشويق هما شرطان خلال بناء الرواية وليسا في معناها الحقيقي؛ أي أن التشويق عنصر من عناصر الرواية الناجحة وليس غاية في حد ذاته، فغاية الرواية أكبر من مجرد التشويق والمتعة فقط، فهناك أهداف وغايات كبيرة للرواية يسعى إليها الأديب وتتمثل في رؤيته الكبرى للعمل الروائي الذي يزعم كتابته.

فإننا نجد أن غايات الرواية متنوعة بحسب نوع الرواية ذاتها، وكما أنها تختلف من كاتب لآخر؛ فبعض المؤلفين يكتب لنقد ظاهرة اجتماعية معينة، وآخرون يكتبون لنقد نظام سياسي أو معتقد فكري، وربما يكتب الكاتب للغوص في أعماق النفس الإنسانية، وربما تتضمن رواية واحدة هذا كله.


فوائد الرواية وجدوى القراءة في هذا الأدب

إن الروايات نهر كبير له فروع عديدة، وإن الواردين على هذا النهر مختلفون في كثير من صفاتهم وخصالهم، وكما أن اهتماماتهم مختلفة ومتنوعة؛ فالبعض يحب قراءة الروايات التاريخية، وآخرون يحبون الروايات الرومانسية والعاطفية أو الروايات السياسية أو الاجتماعية. وكثيرة هي أنواع الروايات، وإن لكل هذه الأنواع فوائد تشترك فيها جميعاً وهي:


أولاً: التجربة الإنسانية الفريدة

إننا نعيش في عصر عجيب حيث نشهد انتقالاً كبيراً نحو عالم مختلف عن عالمنا، حيث تزداد التقنيات بشكل كبير ويبدأ الذكاء الصناعي يهيمن رويداً رويداً على النشاط العقلي الإنساني، وبدأ الروبوت يدخل عالمنا من الباب الكبير، وكما أننا في الوقت ذاته نواجه فوضى اجتماعية كبيرة بسبب طبيعة التواصل الإلكتروني الحديث الذي فُرض علينا، وكما أن المحتوى السريع يسرقنا حرفياً من أنفسنا، وهذا ما يجعلنا في حاجة ماسة إلى خلوة مع أنفسنا، إلى مساحة نتفكر فيها في المشاعر والسلوكيات والأفكار الإنسانية، والأهم نفكر ونتفكر في داخلنا ونحاول فهم الإنسان فينا.


ثانياً: المعرفة التي لا تُدرّس

يذهب شبابنا إلى المدارس والجامعات ويدرسون المقررات الأكاديمية والمواد العلمية: الرياضيات، الهندسة، العلوم، المنطق، ولكنهم عندما يعودون إلى أنفسهم تارة وإلى مجتمعاتهم تارة ماذا سيفعلون بفيثاغورس أو بنظرية أرخميدس؟ وهل نعيش حياتنا الحقيقية بهذه العلوم مع أهميتها التطبيقية؟ إننا نفتقد مع الوقت إلى المعرفة الإنسانية، إلى الحكمة، إلى الإيمان.

وهذا ما تقدمه الروايات: المعارف المتضمنة ضمن الروايات هي معارف كبيرة؛ إنها تتضمن تجارب الآخرين والتي تعتبر دروساً اجتماعية مهمة، وتبوح لنا الروايات بالمشاعر الشخصية الفياضة التي تنمي الذكاء العاطفي لدينا، وكما أن الروايات تسهم في ترسيخ معلومات عن تاريخنا، انتمائنا، تفكيرنا، قصصنا، وطننا، ديننا وعن العديد من المعارف التي لا يمكن أن تُنظّم أو تُدرّس ضمن مقرر أو صف دراسي ولن نجدها إلا في الرواية.


ثالثاً: الرواية والفلسفة

أعتقد أن أدب الرواية وُلد ليحل محل الفلسفة في عصرنا الحالي، فمع تراجع وجود الفلاسفة كوجود حقيقي داخل المجتمع أو وجود بحثي ومعرفي في مجالات المعرفة، ظهر دور أدباء الرواية ليحملوا شعلة المعرفة والحكمة. الرواية اليوم تقوم بأهم ما كان يقوم به الفلاسفة وهو طرح الأسئلة. الأدباء اليوم يطرحون الأسئلة التي هي أداة المعرفة عن المجتمع والعالم والعقل والإنسان والمشاعر والنفس وعن كل شيء، وكما أن الأدباء اليوم يبحرون بحثاً لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة فالكاتب يناقش في روايته كل شيء؛ فكل روائي فيلسوف وليس كل فيلسوف روائياً.


رابعاً: رواية تجمع وتفرق

إن الرواية تحتوي أفكاراً ومشاعر تُعتبر وسيلة لجمع الناس على أمر ما أو لتفريقهم عنه، كما أنها تلعب دوراً مهماً في التوعية والتثقيف حول القضايا الوطنية والشعبية.

فقد تكتب الروايات بهدف جمع الناس وآرائهم على قضية مهمة أو لتنمية الشعور بالانتماء المشترك بينهم وتدفعهم نحو التوحد والاتحاد، وكما أنها في الوقت ذاته قد تمايز الناس وتفرق بينهم وفق معتقد ما أو قضية ما وضمن سردية الرواية الخاصة.

وهذا الدور الأخطر والأهم من أدوار الرواية، حيث يمكن أن يُستخدم بشكل إيجابي أو سلبي حسب نوايا الكاتب ذاته.

في النهاية، هناك العديد من الفوائد والمنافع التي لا يسعنا ذكرها، ولكننا في عصرنا الحالي بحاجة لمزيد من القصص والحكايات، ونحن في ظل الفوضى التي نعيشها في هذا العصر المتقلب في أمس الحاجة إلى أدب الرواية الذي يعيدنا نحو أنفسنا ويفتح لنا أبواب الحكمة وأبواب العقل الخاص بنا.


بقلم: ماهر دعبول

 


إرسال تعليق

أحدث أقدم